قال: "وكذلك لم يقدر الله تعالى حق قدره من هان عليه أمره فعصاه، ونهيه فارتكبه".
كأن الشيخ
ابن القيم رجع إلى موضوع الكتاب الأساس (المعاصي والعشق) لكن هو يأتي بالأشياء المهمة الأساسية العقدية ثم يأتي بهذه التي هي ناتجة عن سَوْرة الشهوة.
ويلاحظ أن المقارف للمعاصي إذا قيل له: اتق الله يا أخي! هذا حرام! يقول: هذا ولا يضر.. وإذا قيل له: يا أخي! اتق الله وصل! افعل كذا! يقول: ليس هناك مشكلة؛ فقد هان عليه أمر الله، فهل قدره حق قدره؟!
لم يقدره.
قال رحمه الله: "وحقّه فضيعه، وذكره فأهمله، وغفل قلبه عنه، وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه، وطاعة المخلوق أهم عنده من طاعته فلله الفضلة في قلبه وعمله" يعني: جعل لله الفضلة من قلبه وعلمه وقوله وعمله وماله.
وهذه مشكلة المعاصي، فهي تدل على أننا نجعل لله الفضلة من قلوبنا وأعمالنا وأموالنا وكلنا كذلك -نسأل الله أن يرحمنا برحمته- ما قدرنا الله حق قدره؛ لأننا لم نجعل لله إلا الفضلة من قلوبنا، وجعلنا صلب همنا وتفكيرنا في الدنيا، على السيارات والعمارات والزوجات والأبناء والوظائف.
قد يبتعث شخص خمس عشرة سنة للعلم وليس لله منها كلمة واحدة...!
وكذلك يوجد أناس كل يوم يكتبون قصائد، ويصدرون مجلدات من الشعر ليس لله منها شيء، ويقيمون المجالس والسمرات، يبدأ أحدهم في الحكاية ويضحك الناس ويحكي لهم طوال الليل كل يوم، وليس لله شيء من هذا القول، نسأل الله العفو والعافية.
وعمله كدح.. ليل نهار.. كم لله من هذا الكدح؟!
فتراه يغضب لكن ليس لله، ويرضى لكن ليس لله، ينتقم لكن ليس لله؟ وإنما لنفسه وشهواته.. ماذا جعل لله؟!
حتى ماله قضاه في: شهوة.. تمشية.. نزهة.. رحلة... إلخ، وإذا قيل له: خذ ما شئت مما أحل الله لك من المال، لكن أعط عشرة ريالات لله فربما لا يستجيب، وإن أعطى لله فإنما هو الفضلة، مثلاً: لو نجح واحد من أولاده لأعطاه هدية، لو كان من أولاده لاعب كرة وأتى بهدف يعطيه سيارة أو مليون ريال أو أي شيء، ولو أن أحد أولاده حفظ جزءاً من القرآن أعطاه عشرة ريالات أو خمسين ريالاً.
إذاً: هل هذا يحسن الظن بالله تعالى؟!! وإذا قيل له: هل أنت حسن الظن بالله؟!
يقول: والله نحن نحسن الظن بالله..
يا شيخ! ما أحسنتَ الظن به..!
ومن هذا حاله فوالله ما أحسن الظن بالله، ولا أحسن الرجاء، ولو أحسن الظن لأحسن العمل، لو أحسنت الظن به لعظمت أمره ونهيه، ووقفت عند حدوده، وسعيت إلى مرضاته بكل طريقة، وكنت مع أوليائه؛ فإن لم تجاهد أعداءه فكن محباً لأوليائه بقلبك.
من عظيم البلاء أن تجد أناساً يتفكهون في المجالس ويتندرون بالدعاة .. بالهيئة.. بالمقاومة.. سبحان الله! تحاربون أولياء الله الذي رزقكم وأعطاكم المال والمناصب والخير، فإن لم تكونوا مع أوليائه فلا تقفوا مع أعدائه، لكن الشيطان أعماهم وأصمهم، فهذا موقفهم من الله سبحانه وتعالى.
قال
ابن القيم: "فلما كان الشرك أكبر شيء منافاة للأمر الذي خلق الله له الخلق، وأمر لأجله بالأمر، كان من أكبر الكبائر عند الله.
وكذلك الكبر وتوابعه كما تقدم، فإن الله سبحانه خلق الخلق وأنزل الكتاب لتكون العبادة والطاعة له وحده، والشرك والكبر ينافيان ذلك، ولذلك حرم الله الجنة على أهل الشرك والكبر" يقول الله تعالى: ((
إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ))[المائدة:72] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {
لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر} لهذا كان أعظم وأكبر الذنوب.